يرتبط الطعام في عقول المليارات من البشر بمشاعر البهجة والسعادة، فقد يصبح تناول وجبة تحبها هو الحل الأمثل لكثير من مشاكلك اليومية، وطريقة للهروب -ولو بشكل مؤقت- من مواجهة مخاوف وأفكار معينة.
ولكنه -للأسف الشديد- قد يرتبط كذلك بمشاكل صحية وأمراض عديدة فيما يعرف باضطرابات الأكل. وهاهنا سنناقش ماهية تلك الاضطرابات وأسبابها وأنواعها وتأثيرها على حياة من يصابون بها.
ما هي اضطرابات الأكل؟
اضطرابات الأكل هي مجموعة من الأمراض العقلية والجسدية الخطيرة، التي تصيب الأشخاص من جميع الفئات، وإن كانت أكثر انتشاراً بين الشابات. وتؤدي تلك الاضطرابات إلى تبني عادات غذائية غير صحية وحالة من الهوس بالطعام أو وزن الجسم أو هيئته.
ولمعرفة حجم المشكلة، قدَّرت إحدى الدراسات مؤخراً أن حوالي 20 مليون امرأة و10 ملايين رجل في الولايات المتحدة وحدها يعانون من أحد اضطرابات الطعام أو أصيبوا بها في مرحلة ما من حياتهم، وقد يؤدي إهمالها إلى عواقب صحية شديدة الخطورة، وقد تؤدي للوفاة إذا تركت دون علاج.
وتأخذ اضطرابات الطعام العديد من الصور والأشكال باختلاف أنواعها، ومن تلك الصور:
- فرض قيود شديدة على الطعام.
- الإفراط في تناول الطعام.
- سلوكيات التطهير مثل التقيؤ أو الإفراط في ممارسة الرياضة.
لم تُحدد أسباب تلك الاضطرابات على وجه الدقة، إلا أن الأدلة المتزايدة تشير إلى مجموعة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي قد يكون لها دور في ذلك.
أسباب اضطرابات الأكل:
- العوامل الوراثية والحيوية: قد يزيد وجود بعض الجينات لدى بعض الأشخاص من خطر الإصابة بأحد اضطرابات الأكل. وقد تلعب التغييرات في كيمياء الدماغ دوراً في الإصابة بأحد تلك الاضطرابات.
- العوامل النفسية والعاطفية: فقد يسهم وجود مشكلات نفسية أو عاطفية في حدوث أحد تلك الاضطرابات. ومن أهم تلك المشكلات: تدني احترام الذات، وتوخي الكمال، والسلوك المندفع، والعلاقات العاطفية المضطربة.
ومن عوامل الخطورة التي تؤدي إلى زيادة احتمالية الإصابة بتلك الاضطرابات:
- وجود تاريخ مرضي للإصابة بها في العائلة.
- وجود اضطرابات عقلية أخرى، مثل: اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو اضطراب الوسواس القهري.
- اتباع أنظمة غذائية قاسية قد تسبب حدوث تغيير في كيمياء الدماغ وتقلبات في الحالة المزاجية.
- الضغوط النفسية لفترات طويلة.
مضاعفات اضطرابات الأكل:

تسبب اضطرابات الأكل مجموعة من المضاعفات الصحية التي قد تهدد الحياة. وتزداد خطورة تلك المضاعفات كلما طالت مدة الاضطراب أو شدته. ونذكر من تلك المضاعفات ما يلي:
- المضاعفات الصحية الخطيرة (تأخر النمو الجسدي، والأنيميا، ومشاكل الجهاز الهضمي والكُلى، وتسوس الأسنان، وقرح الفم).
- القلق والاكتئاب.
- الميل إلى السلوك الانتحاري.
- المشكلات الاجتماعية (ضعف التواصل واضطراب العلاقات).
- إساءة استخدام العقاقير.
- الوفاة.
أنوع اضطرابات الأكل:
ليس لاضطرابات الأكل نمط ثابت، وإنما تتعدد أنواعها وأشكالها وتتراوح بين عدم وجود رغبة في تناول الطعام إلى الشره المفرط، ومن أهم أنواعها:
- اضطراب الأكل القهري (Binge Eating Disorder).
- فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa).
- الشره العصبي (Bulimia Nervosa).
- اضطراب الاجترار (Rumination Disorder).
- اضطراب تناول الطعام الاجتنابي (المقيد) (Avoidant/restrictive Food Intake Disorder).
اضطرابات الأكل عند المراهقين:
يعد المراهقين -خاصة الفتيات- من أكثر الفئات المعرضة لاضطرابات الطعام لما لديهم من اهتمام شديد، ربما يصل لمرحلة الهوس، بشكل الجسم والوزن المثالي المقبول. وأشارت دراسة منذ عدة سنوات إلى أن 36% من الفتيات المراهقات يعتقدن أنهن بدينات، و59% منهن يحاولن إنقاص وزنهن.
أضف إلى ذلك أن أكثر من 90% من المصابين باضطرابات الطعام هم من الفتيات. ومع ذلك، فلدى الأولاد المراهقون أيضاً مخاوف تتعلق بصورة الجسد المثالي؛ مما يدفعهم لاتباع أنظمة غذائية معينة أو الإفراط في ممارسة الرياضة.
وإذا كنا قد تكلمنا عن مسببات تلك الاضطرابات سابقاً، فيجب إضافة أحد أهم مسببات اضطرابات الطعام عند المراهقين، وهو الهوس بصورة معينة لشكل الجسم.
فإذا أردت أن تصبح جميلاً ومقبولاً بين قرنائك، فعليك الالتزام بمعايير معينة -غالباً ما تُفرض من خلال الإعلام- للجسم والوزن المثاليين. وهذا يضع الكثيرين من المراهقين تحت ضغوط نفسية قاسية لمحاولة التأقلم واجتناب الانتقاد وحتى التنمر.
ترتبط اضطرابات الطعام عند المراهقين أيضاً بممارسة رياضات معينة مثل الباليه أو الجمباز أو الجري، إذ تتطلب تلك الرياضات اتباع عادات غذائية يصعب الحفاظ عليها.
ومن أنواع اضطرابات الطعام المتعددة، سنناقش في هذا المقال اضطراب الأكل القهري، على أن نتناول باقي الأنواع في المقالات القادمة.
اضطراب الأكل القهري (Binge Eating Disorder):

يعتقد الباحثون أن اضطراب الأكل القهري -ويعرف أيضاً بمتلازمة الشره القهري- هو أحد أكثر أنواع اضطرابات الطعام شيوعاً. ويظهر عادة خلال فترة المراهقة وبدايات البلوغ، وقد يظهر أيضاً في مراحل عمرية متأخرة.
ويعاني المصابون بهذا الاضطراب من أعراض متعددة، نذكر منها:
- تناول كميات كبيرة من الطعام بشكل غير معتاد خلال فترات زمنية قصيرة، بالرغم من عدم الشعور بالجوع.
- الإحساس بفقدان السيطرة في أثناء التهام الطعام (ما يعرف بنوبات النهم).
- الإحساس بمشاعر الضيق أو الخجل أو الذنب أو الاشمئزاز بعد تناول الكثير من الطعام.
- التغير المستمر في وزن الجسم وعدم استقراره.
- عدم الاكتراث بالسعرات الحرارية أو استخدام سلوكيات التطهير (استخدام ملين أو مدر للبول أو الإفراط في ممارسة الرياضة) للتعويض عن نهمهم.
ويعاني المصابون بهذا الاضطراب من زيادة الوزن أو السمنة، مما يزيد من خطر إصابتهم بارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو السكتة الدماغية أو مرض السكري من النوع الثاني.
اختبار اضطراباتِ الأكل:
تُشخص اضطرابات الطعام بتقصي الأعراض والعلامات المصاحبة لها. وقد يطلب إجراء اختبار اضطرابات الأكل للمساعدة على الوصول إلى التشخيص.
ويتطلب هذا الاختبار الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بعادات تناول الطعام وفكرتك العامة عن صورة جسدك، ويمكن الوصول لأحد تلك الاختبارات من خلال الرابط التالي
علاج اضطراباتُ الأكل:
قد يستغرق العلاج بعض الوقت، ولكن يمكن التعافي من اضطرابات الأكل. وتبدأ خطة العلاج باللجوء إلى المختصين، ومناقشة الأعراض والأمراض الأخرى التي تعاني منها لتضمينها في خطة العلاج. وسيختلف نهج العلاج حسب نوع الاضطراب الذي تعاني منه. ومن طرق العلاج المتبعة عادة ما يلي:
- اتباع خطة طعام صحية (تركز على العناصر الغذائية بغض النظر عن الوزن).
- العلاج المعتمد على الأسرة (التركيز على ضرورة وجود بيئة داعمة محيطة).
- العلاجُ المعرفي السلوكي (لرفع مستوى الثقة بالنفس ومعرفة الطرق المثلى للتعامل مع الضغوط النفسية).
- العلاج الدوائي (استخدام أدوية لعلاج الاكتئاب أو القلق أو الإدمان إذا صاحب أي منهم الإصابة باضطراب الأكل).
وفي الختام، لابد من التنبيه على أن اضطرابات الأكل هي أمراض ينبغي التنبه لها، والسعي إلى علاجها وعدم إهمالها بأي حال؛ لما قد تسببه من مضاعفات صحية جسيمة. يجب التأكيد أيضاً على ضرورة طلب المساعدة الطبية من المختصين في حالة الإصابة بأي منها.