تخيل للحظة أن يُطلب منك الخوض في غمار أحد المعارك دون أسلحة. حتمًا ستجد أن هذا يبدو سخيفًا لدرجة تجعل من الصعب تخيله. وإذا كنا نعيش في عالم يعج بالبكتيريا والفيروسات وأنواع شتى من الميكروبات، فلابد لنا من وسيلة دفاعية وطريقة فاعلة لمكافحة تلك الميكروبات، والأمراض التي يمكن أن تنتج عنها.
وهنا يأتي دور الجهاز المناعي، الفارس الذي لا يدّخر جهدًا في الدفاع عن أجسامنا، وحمايتنا من الأمراض ومسبباتها في كل وقت وحين. لكن مع تطور البكتيريا والفيروسات طوال الوقت، لا بد لنا من تقوية جهازنا المناعي وتعزيزه؛ لمجابهة تلك الأخطار المتجددة. ويُعد اتباع التغذية المناسبة لتقوية المناعة من أهم سُبل تحقيق هذا الغرض.
وتعتمد التغذية المناسبة لتقوية المناعة بشكل رئيس على إمداد الجسم بمجموعة من العناصر الغذائية، التي من شأنها الحفاظ على قوة جهاز المناعة وتعزيز قدرته على مكافحة العدوى بمختلف أنواعها ومسبباتها. وكذلك التصدي لما قد يطرأ من تحولات أو طفرات في المادة الوراثية للفيروسات أو البكتيريا. وتزيد أهمية تعزيز الجهاز المناعي في أوقات انتشار الأوبئة، مثل تلك التي نعيشها حاليًا.
وعند الحديث عن نظام غذائي لتقوية المناعة، لا نعني أبدًا التركيز على أنواع معينة من الأطعمة وإهمال الباقي. بل نؤكد على أن الهدف هو الحفاظ على تناول غذاء صحي ومتوازن، يمد الجسم بكل ما يحتاج إليه من المغذيات. وإضافة بعض الأغذية -ذات التأثير الإيجابي على جهاز المناعة- للوجبات؛ لتُحدث الأثر المطلوب.
ومن الطرق المقترحة والفعّالة للتأكد من تناول وجبات متوازنة، تقسيم طبق الطعام في كل وجبة إلى نصفين. النصف الأول يحتوي على الفواكه والخضروات (المطهية أو الطازجة)، والنصف الثاني يُقسم إلى ربعين: أولهما للبروتين الحيواني (مثل الأسماك والدواجن واللحوم والبيض ومنتجات الألبان) أو النباتي (مثل الفول أو العدس أو اللوبيا)، وثانيهما للكربوهيدرات (مثل الخبز والأرز والمعكرونة والشوفان والبطاطا).

وبالإضافة إلى تحقيق هذا التوازن الغذائي والالتزام به، عليك أيضًا الاهتمام بإضافة أطعمة تعزز جهازك المناعي إلى وجباتك. وهذا ما سنناقشه في ما يلي.
أطعمة تعزز جهازك المناعي
يُعد إضافة الأطعمة الغنية ببعض العناصر المعينة إلى الوجبات أحد أهم أركان التغذية المناسبة لتقوية المناعة. ومن تلك الأطعمة:
- الأطعمة الغنية بفيتامين C: لفيتامين C دور في مكافحة الفيروسات وزيادة إنتاج خلايا الدَم البيضاء، وهو من مضادات الأكسدة عالية التأثير. ومن مصادره: البرتقال واليوسفي والليمون والجوافة والفراولة والكيوي، وبعض الخضروات مثل السبانخ والبروكلي والفلفل الملون.
- الأطعمة الغنية بفيتامين A: تُعد الكاروتينات (Carotenoids) فئة من الأصباغ الموجودة بشكل طبيعي في بعض النباتات، وتتحول بعد تناولها إلى فيتامين A. ولها دور كبير في تعزيز المناعة، فهي تزيد من إنتاج الجسم لخلايا الدَم البيضاء (المسئولة عن مقاومة العدوى)، والإنترفيرون (أحد الأجسام المضادة التي تغلف أسطح الخلايا مانعةً الفيروسات من إصابتها). ومن مصادرها: الجزر والبطاطا الحلوة والقرع والكبدة والمانجو والجرجير والسبانخ.
- فيتامين D: هو من الفيتامينات المهمة لتقوية المناعة، ومن مصادره: التعرض الكافي لضوء الشمس وتناول البيض والأسماك الزيتية.
- فيتامين E: يعد فيتامين E أحد مضادات الأكسدة القوية. وتشير الأبحاث إلى أنه بالغ الأهمية للحفاظ على كفاءة الجهاز المناعي، خصوصًا عند كبار السن. ومن مصادره: زيت بذرة القمح وبذور دوّار الشمس واللوز والبندق.
- الزنك: هو معدن أساسي يسهم في إنتاج العديد من الخلايا المناعية. ومن مصادره: بعض البقوليات (مثل الحمص والعدس والفول)، ومنتجات الألبان والبيض والمكسرات والمحار.
- الأغذية الغنية بالحمض الدهني أوميجا 3: أوميجا 3 من الأحماض الدهنية الأساسية المعروفة بمكافحة الالتهابات،
وكذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى دوره في الوقاية من أمراض المناعة الذاتية مثل: مرض كرون والتهاب المفاصل الروماتويدي. ومن مصادره: زيت الزيتون وبذر الكتان وبذور الشيا والأسماك الزيتية مثل: السلمون والتونة والماكريل.
- بعض التوابل: مثل الكركم والزنجبيل، لاحتوائهما على نسبة عالية من مضادات الأكسدة.
- البروكلي: يحتوي على مضادات الأكسدة، والعديد من الفيتامينات (A, C, E)، والمعادن الضرورية، والألياف. وكذلك يحسن تناوله من صحة القلب والأوعية الدموية والعظام.
- الثوم: يحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة وفيتامينات (A, B, C)، وله خصائص مضادة للالتهاب ومضادة للسموم؛
مما يعزز من عمل الجهاز المناعي على نحو ملحوظ. وتعزى خصائص الثوم المعززة للمناعة إلى احتوائه على تركيز شديد من المركبات المحتوية على الكبريت، مثل: الأليسين.
- السبانخ: تحتوي السبانخ على نسبة عالية من الحديد وفيتامين A وفيتامين C، والعديد من مضادات الأكسدة؛ مما يزيد من قدرة الجهاز المناعي على مكافحة العدوى.
- الكيوي: يحتوي الكيوي على مضادات الأكسدة، والمعادن مثل الماغنيسيوم، ونسبة عالية من فيتامين C (ثلاث أضعاف الكمية الموجودة في البرتقال).
- الشاي الأخضر: يعد الشاي -بنوعيه الأخضر والأسود- غني بالفلافونيدات (Flavonoids) المضادة للأكسدة. لكن يتفوق الشاي الأخضر على نحو كبير لاحتوائه على مستويات عالية من أحد تلك المضادات، الذي يعرف اختصارًا (EGCG). أضف إلى ذلك أن الشاي الأخضر مصدر جيد للحمض الأميني (L-theanine) الذي يساعد في إنتاج مركبات مقاومة للجراثيم في الخلايا التائية (إحدى أهم أنواع الخلايا المناعية T-Cells).
- العسل: من أهم الأطعمة التي تعزز الجهاز المناعي وتقويه؛ لتمتعه بخصائص مضادة للالتهاب ومقاومة للفيروسات، بالإضافة للعديد من الفوائد الصحية الأخرى.
فالاهتمام بإضافة تلك العناصر للوجبات بانتظام شيء لا غنى عنه عند وضع نظام غذائي لتقوية المناعة. وتعمل تلك العناصر بطريقة مشابهة جدًا في البالغين والأطفال. وهذا يقودنا للحديث عن تقوية المناعة عند الأطفال.
تقوية المناعة عند الأطفال

يعد الاهتمام بالتغذية المناسبة لتقوية المناعة من أهم سبل حماية الأطفال من الميكروبات والجراثيم بأنواعها. لكن لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك العديد من النصائح والإرشادات الأخرى التي يؤدي اتباعها إلى تعزيز الجهاز المناعي للأطفال. ومن تلك النصائح:
- الرضاعة الطبيعية: يحتوي حليب الأم على أجسام مضادة وخلايا معززة للمناعة، تحمي الرضيع من التهابات الأذن والحساسية والإسهال والالتهاب الرئوي والتهاب السحايا والتهابات المسالك البولية ومتلازمة موت الرضّع المفاجئ (SIDS). ويعد حليب الثدي الأول (السرسوب) -الذي يتدفق من الثدي خلال الأيام القليلة الأولى بعد الولادة- غني بشكل خاص بالأجسام المضادة لمكافحة الأمراض. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن لبن الرضاعة تتغير مكوناته مع الوقت ليمد الرضيع بما يحتاج إليه من المغذيات خلال مراحل نموه المختلفة.
- التأكد من حصول الطفل على القدر الكافي من النوم يوميًا: فقد أثبتت الدراسات أن الحرمان من النوم يحد من إنتاج الخلايا المناعية (مثل الخلايا القاتلة الطبيعية Natural Killer Cells)؛ مما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. فنوم الأطفال لفترات كافية وأخذ قيلولة في أثناء اليوم، ضروريان لتعزيز مناعة الأطفال، بجانب أهميتهما للنمو.
- ممارسة الرياضة: يعد لِعب الأطفال أحد صور ممارسة الرياضة الهامة للحفاظ على صحة الأطفال، وكذلك لتعزيز مناعتهم ضد الأمراض؛ وذلك لأنها تزيد من عدد الخلايا المناعية. ويساعد في تشجيعهم عليها، ممارستها مع العائلة. ومن ذلك، ممارسة الأنشطة العائلية الممتعة للكبار والصغار على حد سواء مثل: ركوب الدراجات والمشي والركض وكرة القدم.
- الاهتمام بالنظافة الشخصية للطفل، وتعليمه السلوكيات الأساسية مثل: غسيل اليدين والأسنان بالصورة الصحيحة، وتشجيعه على الالتزام بها.
- الحد من تناول المضادات الحيوية دون داعٍ طبي قوي، لأن ذلك يقلل من كفاءة الجهاز المناعي ويضعفه.
- الالتزام بالتطعيمات والأمصال المقررة للأطفال في مواعيدها.
- التأكد من احتواء وجبات الأطفال على العناصر التي تعزز من الجهاز المناعي. وعلى رأسها: فيتامينات (A, C, D)، والزنك، وأوميجا 3. وكذلك الحرص على إدراج الفاكهة والخضروات ضمن الوجبات أو بينها.
وعند التفكير في إعطاء الطفل أحد المكملات الغذائية لتعويض النقص في أحد العناصر، فلا بد أن يحدث هذا تحت إشراف طبيب متخصص. وذلك لفحص الأعراض وتحديد نوع النقص الذي يعانيه الطفل، وكذلك لتحديد الجرعة المناسبة (سواء كانت جرعة علاجية أو جرعة وقائية) وفترة العلاج.
تقوية المناعة عند كبار السن
لا تختلف تقوية المناعة عند كبار السن عن تقويتها في البالغين أو الأطفال. فقواعد التغذية المناسبة لتقوية المناعة التي ذكرناها سابقًا تنطبق أيضًا على كبار السن. وإذا أردنا أن نضيف بعض النصائح لمساعدة كبار السن على تقوية جهازهم المناعي، فستنطبق أيضًا على الأشخاص من كافة الأعمار. ومن تلك النصائح:
- اتباع نظام غذائي صحي غني بالمغذيات المختلفة.
- المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية.
- تقليل مستويات التوتر والضغوط النفسية.
- الحصول على القدر الكافي من النوم.
- الحفاظ على وزن صحي.
- الامتناع عن التدخين وشرب الكحوليات.
- قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق.
- الحرص على شرب كميات كافية من الماء يوميًا.
- الحد من تناول الأغذية المصنعة أو المعلبة قدر الإمكان، واستبدالها بالأغذية الطازجة.
- علاج الأنيميا ومشكلات سوء التغذية، لما لها من أثر سلبي على المناعة.

وأخيرًا، لا بد من التأكيد على أن الحفاظ على جهازنا المناعي وتعزيزه ضرورة لا غنى عنها؛ لمواجهة ما يحيط بنا من مصادر متعددة ومتجددة للعدوى. والطريقة المثلى لذلك تتأتى من الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن، والتغذية المناسبة لتقوية المناعة التي يُراعى فيها إمداد الجسم بالعناصر اللازمة للاستمرار في حربه ضد مسببات الأمراض المختلفة.