“الشاي الأخضر أصح المشروبات التي يمكنني التفكير فيها” هكذا وصفه د. كريستوفر أوكنر، الباحث في علم التغذية بكلية أيكان للطب في مستشفى ماونت سايناي، بنيويورك.
وعندما سُئلَت عن أكبر فوائده، أجابت بيث ريردون، متخصصة التغذية في بوسطن: “إنها تتمحور جميعًا حول مركبات الكاتشين (Catechins)”.
هل ثارت شهيتك الفكرية عزيزي القارئ، لتتعرف إلى ذلك المشروب السحري؟
في هذا المقال، سنتجول في خبايا ذلك المنتج الرائع، لنتعرف كيف اُكتشف، وماهي مكوناته، وفوائده، ثم استراحة لنُعد كوبًا فاخرًا منه، فتابع معي.
موطن الشاي الأخضر واكتشافه
تُحضر أوراق الشاي الخضراء من نبات الكاميليا (Camellia sinensis)، وتعد الصين أشهر الدول المصنعة والمصدرة لها.
يُحضر الشاي الأحمر والأبيض كذلك من نفس النبات، ولكن بعمليات تصنيع مختلفة قليلًا.
أما عن اكتشافه، فقد خضع للصدفة التامة. كتفاحة نيوتن التي سقطت من الشجرة فاكتشف الجاذبية، سقطت وريقات الكاميليا في كوب من الماء الساخن بين يدي الإمبراطور شينونج -2737 قبل الميلاد- خلال استراحته مع قافلته، فتغير لون الماء ولكن الإمبراطور لم يلاحظه.
بعد ما شربه وجده منعشًا للغاية، وطلب من حاشيته إعداده له منذ تلك اللحظة. هذه أشهر القصص -المقبولة على نطاق واسع- عن اكتشاف المشروب، وأطلق عليه (تشا).
طريقة تصنيع المنتج
تتعرض أوراق الكاميليا لعدة معالجات، لتصبح جاهزة للاستخدام. هي:
- القطف والفرز.
- التبخير.
- التحميص.
- التجفيف.
المزيد من المعالجة يؤدي إلى تأكسد المركبات الداخلية، مُنتجًا الشاي الأحمر.
التركيب الكيميائي لأوراق الشاي الأخضر
تحتوي أوراق الشاي الخضراء على المركبات التالية نسبة إلى وزنها الجاف:
- البروتين: 15%.
- الأحماض الأمينية: 4%.
- الألياف: 26%.
- الكربوهيدرات: 7%.
- الدهون: 7%.
- الصبغات: 2%.
- المعادن: 5%.
- المركبات الفينولية: 30%.
- مركبات فينولية مؤكسدة: 0%.
ويكمن سر أخضر الشاي في تلك المركبات الفينولية، التي تُعرف بمركبات “الكاتشين”.
فوائد الشاي الأخضر

تتميز أوراق الكاميليا باحتوائها على نسبة مرتفعة من المركبات الفينولية “الكاتشين”، التي تعمل كمضادات أكسدة.
تستخدم مضادات التأكسد في احتواء الجهد التأكسدي الناشئ عن الجذور الحرة، التي تنتج عن العمليات البيولوجية المختلفة، أو التعرض لمختلف العوامل البيئية.
بذلك تساهم في الوقاية من العديد من الأمراض، منها:
الوقاية من السرطان
السرطان واحد من الأمراض الناشئة عن عدم احتواء الجهد التأكسدي، لذا تلعب مضادات الأكسدة دورًا هامًا في الوقاية منه.
أثبتت بعض الدراسات أن مركبات الكاتشين فعالة ضد عدة أنواع من السرطان، منها:
- الثدي: في مراجعة شاملة للدراسات القائمة على الملاحظة، وُجد أن شرب الشاي الأخضر يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 20-30%.
- البروستاتا: في دراسة، لوحظ أن تناول الشاي يقلل من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا المتقدم.
- القولون والمستقيم: أشار تحليل 29 دراسة، أن شرب الشاي يقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم بنسبة 42%.
بالإضافة إلى سرطان الرئة، والمعدة، وغيرها من السرطانات.
وعلى الرغم من ذلك، فقد خلصت دراسات أخرى إلى أن شرب الشاي لم يؤثر كثيرًا على خطر الإصابة بالسرطان.
خفض مستوى الكوليسترول
في تحليل للدراسات المنشورة في 2011، وُجد أن تناول أوراق الشاي الخضراء في هيئة كبسولات أو مشروب، ساهم في خفض مستوى الكوليسترول الكلي، والبروتين الدهني منخفض الكثافة.
ذلك أن مضادات الأكسدة “الكاتشين” تحمي البروتين الدهني منخفض الكثافة من التأكسد، فتقي الجسم من الأمراض المترتبة على ذلك.
حماية القلب
أمراض القلب واحدة من أشهر أسباب الوفاة، وخلصت كثير من الدراسات إلى أن شرب الشاي الأخضر قد قلل من عوامل الخطورة المؤدية إليها.
انخفاض مستوى الكوليسترول أيضًا -كأحد فوائده- يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
خفض ضغط الدم
واحد من أهم الأسئلة التي ربما تتبادر إلى ذهنك: هل الشاي الأخضر يرفع الضغط؟
إليك عزيزي القارئ هذه النتيجة التي أثبتتها إحدى الدراسات، وهي أن شرب الشاي بانتظام -ولا سيما الأخضر- يخفض ضغط الدم، ويقلل من خطر الإصابة بمرض الضغط المرتفع.
تحسين وظائف المخ
تحتوي أوراق الشاي الخضراء على مادة الكافيين كذلك، وتعمل كمادة منبهة.
يحجب الكافيين الناقل العصبي المثبط “الأدينوسين”، ويرفع تركيز الناقلات العصبية “الدوبامين، والنورإبينفرين”.
يحسن ذلك من وظائف المخ، مثل:
- المزاج.
- اليقظة.
- وقت رد الفعل.
- الذاكرة.
تحتوي الأوراق كذلك على الحمض الأميني “ل-ثيانين”، الذي يزيد مستوى الدوبامين، والجابا (GABA) الذي يقلل القلق.
يدعم وجود الكافيين ول-ثيانين معًا، تأثير كل منهما الآخر.
ولا يتوقف الأمر عند تحسين الوظائف فقط، فإذا أضفنا الكاتشين، يمكن للشاي الأخضر:
- تقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
- المساهمة في علاج الخرف.
- تقليل خطر الإصابة بالأمراض العصبية، مثل: ألزهايمر، والشلل الرعاش (Parkinson’s).
وغيرها من الأمراض التي تصيب المخ.
الوقاية من مرض السكري (النوع الثاني)
ينشأ النوع الثاني من مرض السكري نتيجة مقاومة الأنسولين، أو عدم القدرة على إنتاجه.
أوضحت بعض الدراسات أن شرب الشاي الأخضر يقلل مستوى السكر في الدم، ويحسن حساسية الإنسولين.
في دراسة يابانية، وُجد أن شرب مستخلص أوراق الشاي الخضراء يقلل من خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري بنسبة 42% تقريبًا.
وعلى الرغم من ذلك، لم تتفق كل الدراسات على نفس النتيجة.
فقدان الوزن

واحدة من أشهر القضايا المثارة حول المنتج، هي العلاقة بين الشاي الأخضر وإنقاص الوزن.
طبقًا للبحوث، وُجد أن مكونات أوراق الشاي الخضراء قد تزيد معدل الحرق، وتحفز معدل الأيض.
كما توصلت دراستان منفصلتان على أشخاص أصحاء، أن شرب مستخلص أوراق الشاي الخضراء يزيد معدل حرق السعرات بنسبة 4%، وتأكسد الدهون بنسبة 17%، عن الأشخاص الذين لم يشربوه.
قد يحسن الكافيين من الأداء الجسدي كذلك، بتحريك الأحماض الدهنية من الأنسجة الدهنية، واستهلاكها في توليد الطاقة.
وفي دراسة أجريت على أشخاص يعانون السمنة، توصلت النتائج إلى أن شرب مستخلص أوراق الشاي الخضراء قلل:
- نسبة الدهون في الجسم.
- وزن الجسم.
- دهون البطن.
- محيط الخصر.
مقارنة بالمجموعة الضابطة الذين لم يشربوه.
وعلى الرغم من ذلك، توصلت عدة دراسات أخرى إلى أن تأثير المشروب على إنقاص الوزن ليس ذا دلالة إحصائية.
الحفاظ على صحة الأسنان
تشير دراسات أنابيب الاختبار إلى قدرة مركبات الكاتشين على تثبيط نمو البكتيريا، مما يقلل من خطر الإصابة بالعدوى.
تتسبب البكتيريا العقدية (Streptococcus mutans) في تكوين الجير على الأسنان، ومن ثم تسوسها وتحللها.
ثبطت مركبات الكاتشين نمو البكتيريا الفموية خلال الدراسات المعملية، لكنه من غير المعلوم إن كان المشروب له نفس التأثير أم لا.
ومع ذلك، قد يقلل المشروب من رائحة الفم الكريهة.
تقوية العظام
انتهت دراسة أجريت على خلايا العظام، أن أحد مركبات الكاتشين:
- حفز نمو العظام بنسبة 79%.
- رفع مستوى تمعدن العظام بالخلايا، ومن ثم تقويتها.
- خفض نشاط ناقضات العظم، وترجيح كفة التكوين على الهدم.
ولم يظهر أي تأثير سام له على خلايا العظام الجديدة، لذا يأمل العلماء باستخدامه لعلاج هشاشة العظام مستقبلًا.
الوقاية من أمراض العين
قدمت مجموعة من العلماء مشروب الشاي الأخضر للفئران في دراسة معملية، وعند تحليل أنسجة العين وجدوا:
- امتصاص أنسجة العين لمركبات الكاتشين بكميات متفاوتة.
- تركزت أكبر كمية في شبكية العين.
- أقل الأنسجة احتواءً على الكاتشين هي القرنية.
واستمر تأثير مضادات الأكسدة لعشرين ساعة بعد انتهاء المشروب.
يتوقع الباحثون أن تقلل مركبات الكاتشين من خطر الإصابة بأمراض العيون، وإعتام عدسة العين خاصة.
لم تتوقف فوائد أوراق الشاي الخضراء عند هذا الحد، إذ تشير بعض الدراسات إلى إنها مفيدة في:
- علاج التهابات الجلد.
- مقاومة أعراض الشيخوخة.
- علاج الإسهال وعدوى التيفويد.
- مقاومة بعض أنواع الفيروسات.
وغيرها من الدراسات التي تبحث في فوائد المشروب ومكوناته.
أفضل الأوقات لتناول المشروب وكميته
لوحظ أن شرب الشاي الأخضر في أوقات معينة، يؤدي إلى أقصى استفادة منه، هي:
على الريق
كما أسلفنا، فالمشروب يحتوي على الكافيين، وهو مادة منبهة. يحتوي على الحمض الأميني “ل-ثيانين” كذلك وهو مادة مهدئة.
لذا عند شرب الشاي الأخضر على الريق، تعمل المادتان معًا على تحسين وظائف المخ والمزاج، دون التعرض للآثار الجانبية التي يُحدثها شرب الكافيين وحده.
قرب موعد التمرين
توصلت دراستان منفصلتان إلى أن شرب مستخلص أوراق الشاي الخضراء قرب موعد التمرين (حوالي ساعتين) يزيد معدل حرق الدهون، بالإضافة إلى تقليل تضرر العضلات.
أما عن الأوقات التي لا يفضل شربه فيها، هي:
قرب الوجبات
تحتوي أوراق الشاي الخضراء على مركبات “التانين”، التي تتحد مع المعادن الموجودة بالطعام، وتقلل امتصاصها.
من أمثلة المعادن التي تتحد معها: الحديد، والكروم، والزنك، وغيرها.
لذا يفضل شرب مستخلص الأوراق في الفاصل بين الوجبات.
قبل النوم
مع أن نسبة الكافيين الموجودة بالشاي الأخضر أقل من المشروبات المنبهة الأخرى، فإن الأشخاص الحساسين للكافيين قد يعانون اضطرابات النوم إن شربوه قبل النوم بمدة قصيرة.
أما عن الكمية المسموح بها، فتختلف باختلاف الهدف من شربه، فمثلًا:
- الوقاية من سرطان الثدي: أكثر من 3 أكواب يوميًا.
- مرض السكري النوع الثاني: أكثر من 3 أكواب يوميًا.
- لصحة القلب: من 1 إلى 3 أكواب يوميًا.
أما عن شربه للتمتع بفوائده، دون هدف ما، فيمكنك عزيزي القارئ شرب من 2 إلى 3 أكواب يوميًا.
أضرار الشاي الأخضر
لم تثبت أضرار معينة للمشروب ما دام في الكمية المسموح بها، وعلى الرغم من ذلك قد تتحسس بعض الفئات من بعض مكوناته، فمثلًا:
- حساسية الكافيين: بعض الأشخاص يتحسسون بشدة تجاه الكافيين، فيعانون الأرق، والقلق، والغثيان، واضطراب المعدة.
- مضادات التجلط: الذين يتناولون الأدوية المضادة للتجلط، يجب عليهم توخي الحذر عند شرب الشاي، لاحتوائه على فيتامين ك، كذلك يقلل من فعالية تخثر الصفائح.
- الأدوية المنشطة: شرب الشاي مع الأدوية المنشطة قد يرفع ضغط الدم، ويزيد معدل ضربات القلب.
- الحمل والرضاعة: إذا تعدت جرعة الكافيين اليومية في الشاي 300 مجم، فقد يؤدي إلى العيوب الخلقية المرتبطة بنقص حمض الفوليك، كما يمر في حليب الثدي، وقد يؤثر على الرضيع.
أما المستحضرات والمكملات الغذائية المحتوية على أوراق الشاي الخضراء، فإن تركيز مركباتها يكون أكبر، وقد تؤثر سلبًا على بعض الفئات، مثل:
- مرضى القلب.
- الضغط المرتفع.
- مرضى الكبد والكلى.
بالإضافة إلى قرحة المعدة، ومن يعانون القلق.
وبعد أن استفضنا في كل ما يخص ذلك المشروب الرائع، لنرتاح قليلًا عزيزي القارئ، ونتعرف على أفضل طريقة لإعداد كوب زاخر بأكبر قدر من فوائده.
الطريقة المثالية لإعداد كوب من الشاي الأخضر

لإعداد كوب مثالي به أكبر قدر من فوائد أوراق الشاي الخضراء، عليك عزيزي القارئ مراعاة بعض الأمور الدقيقة، كالتالي:
درجة حرارة الماء
درجةُ الحرارة المثالية حوالي 80 درجة مئوية، وهي الدرجة التي تتكون فيها الفقاعات في قاع الإناء، وليس سطحه.
درجة الحرارة الأعلى، تجعل الطعم مرًا وقابضًا، والأقل لا تستخلص الفائدة بالكامل.
أو يمكنك غلي الماء تمامًا، ثم تركه يبرد لدقائق، ثم صبه على الأوراق.
مدة النقع المناسبة
أوراق الشاي الأخضر رقيقة جدًا، يكفيها أن تنقع لمدة 2-3 دقائق لتُعطي أفضل النتائج.
إن قلت المدة، لا نحصل على النكهة كاملة، وإن زادت، أصبح الطعم مرًا.
إضافة القليل من العسل أو أي مُحَلي آخر
إذا كنت ممن لا يستسيغون نكهة المشروب، فإن قليلًا من العسل، سيجعل الطعم أكثر قبولًا.
جودة المنتج
أوراق الشاي الطازجة -وليس المعبأة في أكياس صغيرة- تجعل الطعم أغني، والنكهة أصلية عن الأكياس الجاهزة.
الكمية المناسبة من الأوراق
2 جرام من الأوراق مناسب تمامًا لكوب ماء سعة 180 مل. وإن رغبت في نكهة أغنى، بإمكانك إضافة المزيد من الأوراق.
أضف القليل من النعناع أو الليمون
قد يكون ذلك كل ما يحتاجه كوبك لتستمتع بنكهته، جرب أحدهما أو كلاهما، واختر نكتهك المفضلة.
جودة المياه
لا يفضل استخدام المياه المعدنية، فربما تتداخل مع المعادن الموجودة في الأوراق.
المياه النقية أو مياه الينابيع هي الخيار الأفضل حتى لا تؤثر على طعم الشاي.
ختامًا عزيزي القارئ، فإن الطبيعة غنية بخيراتها، والعودة إليها أصبح هدفًا. واليوم نقدم إليك واحدًا من أغنى نباتاتها بالفائدة، فاحرص على أن يصبح الشاي الأخضر جزءًا من روتينك اليومي.