من بين الأمراض الوظيفية العديدة التي تُصيب الجهاز الهضمي، تُعد متلازمة القولون العصبي (Irritable Bowel Syndrome – IBS) الأكثر انتشارًا. وهي خلل وظيفي في القولون (الأمعاء الغليظة)، يُؤدي إلى ظهور بعض الأعراض المزعجة جدًا، وإن كانت ليست خطرة في ذاتها، ولا تُؤدي إلى أمراض أُخرى مستقبلًا.
وهي من الأمراض المزمنة وغير المُعدِية، لكنها تحتاج إلى أسلوب خاص في التعامل معها على المدى الطويل. ويمكن التحكم بأعراضها عن طريق الأدوية، وإجراء بعض التعديلات في نمط الحياة، مثل: تعديل الحمية الغذائية وتحسين طرق التعامل مع التوتر والقلق.
وسنناقش في هذا المقال أعراض القولون العصبي، وأسبابه، وتشخيصه، وطرق علاجه. كما سنركز على أفضل الطرق لتغذية مصابي القولون العصبي، وتأثير ذلك في تقليل الأعراض على نحو ملحوظ.
القولون العصبي وأعراضه

تُعرف متلازمة القولون العصبي بأسماء عديدة، مثل: القولون التَشَنُّجي، والقولون العصبي (المُتهيِّج)، والتهاب القولون المُخاطي، والتهاب القولون التَشَنُّجي، وحتى القولون الهضمي عند بعض الناس. وتُصنَّف على أنها اضطراب وظيفي (وليس عضوي)؛ لأنها تؤدي إلى خلل في أداء بعض الوظائف الطبيعية للجسم، مثل: التّبرّز أو حساسية أعصاب الأمعاء أو الطريقة التي ينظم بها المخ تلك الوظائف.
ومن الجدير بالذكر أن تلك المتلازمة تختلف عن أمراض الأمعاء الالتهابية، ولا ترتبط بأمراضها الأخرى، ولا تزيد الإصابة بها من خطر الإصابة بسرطانات الجهاز الهضمي.
وللقولون العصبي مجموعة من الأعراض التي عادةً ما تحدث مع بعضها البعض، وتختلف هذه الأعراض في شدّتها وتواترها من شخص إلى آخر. ومن أعراض القولون العصبي -أو كما يسميها البعض أعراض القولون الهضمي- الشائعة:
- انتفاخات في البطن.
- آلام بطنية مزمنة.
- الإمساك أو الإسهال أو التناوب بينهما.
- زيادة الغازات.
- وجود مخاط في البراز
وهناك أعراض أخرى تستدعي استشارة الطبيب فور حدوثها، مثل:
- حدوث نزف دموي من المستقيم (الشرج).
- آلام البطن المستمرة التي تزيد ليلًا أو في وقت النوم.
- فقدان الوزن غير الطبيعي.
ولا تختلف تلك الأعراض في الرجال عن النساء، إلا أن فرص ظهورها أو زيادة حدتها ترتفع عند النساء على مقربة من فترة الحيض وفي أثناء الحمل، وتقل وتيرة ظهورها عند النساء بعد سن اليأس.
أسباب القولون العصبي

على الرغم من أنه لم يتم الكشف حتى الآن عن السبب الدقيق لحدوث متلازمة القولون العصبي، فإن هناك العديد من الأسباب المحتملة، منها: الوراثية أو البيئية أو النفسية. تُؤثر هذه الأسباب على الاتصال العصبي والهرموني الذي يربط بين الدماغ والجهاز الهضمي.
وتتكاتف هذه الأسباب معًا لإحداث الإصابة، وقد يوجد سبب مركزي ورئيس، هو المسؤول عن حدوثها. ومن أبرز أسباب القولون العصبي المحتملة، ما يلي:
- العوامل الوراثية: إذ تزيد احتمالية إصابتك بالقولون العصبي إذا أصيب به أحد أفراد الأسرة؛ مما يرجح وجود عامل وراثي (جيني) وراء الأمر.
- العواملُ البيئية: مثل: التعرض لبعض أنواع العدوى البكتيرية الحادة، مثل: التهاب المعدة والأمعاء.
- العوامل النفسية: تسهم الحالة العقلية والنفسية للشخص في الإصابة بالقولون العصبي. ومما يدل على ذلك؛ أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة هم أكثر عرضةً للإصابة به. وتزيد احتمالية الإصابة كذلك حال التعرض للتوتر والقلق فترات طويلة، والمرور بتجارب حياتية قاسية، مثل: التعرض للاعتداء الجنسي في الصغر.
- عوامل أخرى: مثل: الحمية الغذائية المُتَّبعة، والتغيُّرات الهرمونية، واستجابة الجهاز الهضمي للألم استجابةً مُفرطة، وحدوث خلل في العضلات المسئولة عن نقل الطعام عبر الجهاز الهضمي، وعدم قدرة الجهاز العصبي المركزي على التحكم في الجهاز الهضمي واستجاباته، وبعض الاضطرابات العقلية، مثل: الاكتئاب والاضطراب العَرَضي الجسدي.
تشخيص القولونِ العصبي
يُشخص القولون العصبي استنادًا إلى الأعراض التي يعانيها المريض، إلى جانب بعض الفحوصات لاستبعاد أي مشكلات صحية أخرى. ويعتمد التشخيص على:
- الفحص السريري.
- التاريخ المرضي السابق.
- الفحوص المعملية (تحاليل الدم والبراز).
- الأشعة السينية والمقطعية.
- إجراء تنظير القولون (فقط إذا اشتبه الطبيب أن الأعراض التي تعانيها ناتجة عن التهاب القولون أو مرض كرون أو السرطان).
علاجات القولونِ العصبي

لا يوجد علاج للقولون العصبي، ولكن يمكن أن يؤدي تعديل النظام الغذائي واستعمال الأدوية، واتباع نصائح وإرشادات الطبيب إلى تخفيف وتيرة الأعراض وحدتها، وتحسين الحالة الصحية للمصابين.
غالبًا ما تزداد الأعراض سوءًا بعد تناول بعض الأطعمة، مثل: الشوكولاتة والحليب؛ مسببةً الإمساك أو الإسهال. كما يمكن لبعض الفواكه والخضروات والمشروبات الغازية أن تسبب الشعور بالانتفاخ. ومن الأطعمة الشائعة التي تسبب التقلصات أو الانتفاخ، نذكر ما يلي:
- البقوليات.
- الكرفس.
- البصل.
- الجزر.
- الزبيب.
- الموز.
- المشمش.
- الخوخ.
- كرنب بروكسل.
وفي ما يخص العلاج الدوائي، فهو جزء لا يتجزأ من النهج العلاجي للقولون العصبي، ويتغير تبعًا لأعراض المرض، ومن أمثلته:
- مضادات الإسهال.
- المُلينات.
- منشطات القولون.
- مضادات الاكتئاب.
- مضادات التشنجات.
تغذية مصابي القولونِ العصبي
يمكن لاتباع أنماط معينة في تغذية مصابي القولونِ العصبي أن يساعد في تقليل الأعراض، والسيطرة عليها، ومن تلك الأنماط:
- تناول الألياف: يحتاج بعض مصابي القولون العصبي إلى زيادة تناول الألياف في وجباتهم، أما البعض الآخر فقد يحتاج إلى تقليل تناولها. ويساعد إدراج الكمية المناسبة (المتوازنة) من الألياف في النظام الغذائي في تعزيز الهضم الصحي وضمان حدوثه.
- تناول مكملات البروبيوتك: البروبيوتك بكتيريا مفيدة تدعم حركة الأمعاء وصحتها وتسهل عملية الهضم؛ ومن ثم تساعد في تخفيف أعراض القولون العصبي لدى العديدين. وقد لا يشعر المصاب بتأثيرها على الفور، لذا يُستحسن تناولها بضعة أسابيع قبل تقييم تأثيرها على صحة الأمعاء على المدى الطويل.
- الاحتفاظ بمذكرة الطعام: فكرة سجل الطعام هي متابعة وتسجيل الأطعمة المختلفة في النظام الغذائي وآثارها الملموسة على عملية الهضم وارتباطها بظهور الأعراض من عدمه. ويساعد ذلك في تحديد الأطعمة التي تُحفز ظهور الأعراض وتزيد حدتها.
ومن تغييرات النظام الغذائي الواجب اتباعها؛ لتقليل أعراض القولون العصبي:
- تجنُّب تفويت الوجبات، وتنظيم مواعيدها، وتناول الطعام ببطء.
- تناول المزيد من الأطعمة المحتوية على الشوفان؛ لتقليل الغازات والانتفاخ.
- تجنب الأطعمة المحتوية على الجلوتين؛ إذ يقلل ذلك من حدة الأعراض.
- تتبع الوجبات لمعرفة أي الأطعمة التي تهيج القولون؛ ومن ثم تجنبها.
- تجنب بدائل السكر الموجودة في بعض الأطعمة، مثل: أطعمة الحِميَات، والحلويات الخالية من السكر؛ لأنها يمكن أن تسبب الإسهال.
- تقليل تناول منتجات الألبان والحليب، فعدم تحمل اللاكتوز أكثر شيوعًا في المصابين بالقولون العصبي.
- تقليل الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات عموماً
ويمكن لهذه التغييرات في أنماط الأكل وعاداته أن تُحدث أثرًا جذريًا في السيطرة على الأعراض وتقليلها. ومع ذلك، فلا يوجد نظام غذائي محدد وثابت يمكن لجميع مصابي القولون العصبي تطبيقه. لذا، قد يحتاج كل مصاب إلى تجربة بعض الأنماط الغذائية؛ للوصول إلى النظام الغذائي الأمثل الذي يناسبه.

القولونُ العصبي والضغط
يتساءل الكثيرون عن العلاقة بين القولون العصبي والضغط (الذي نقصد به: ارتفاع ضغط الدم)، وهما مرضان شائعان. وقد اختلفت الدراسات في تبيان نوعية العلاقة بينهما، إلا أنها اجتمعت على ارتباط كل منهما بالضغط النفسي والتوتر.
يؤثر الضغط النفسي على كل من القولون العصبي وارتفاع ضغط الدم. فالتعرض للتوتر والقلق فترات طويلة يحفز حدوث الإصابة بمتلازمة القولون العصبي (كما بيناه سابقًا). وتؤثر الضغوط النفسية -كذلك- على مستويات ضغط الدم رافعةً إياها ارتفاعًا حادًا؛ وذلك لأنها تحفز إفراز بعض الهرمونات التي من شأنها رفع معدل النبض وتضييق الشرايين؛ مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم.
ومن الجدير بالذكر أن بعض سبل التعامل مع القولونِ العصبي، مثل: ممارسة الرياضة وتمارين التنفس؛ تسهم أيضًا في خفض ضغط الدم على نحو ملحوظ.
وإليكم بعض النصائح للتعامل مع القولونِ العصبي:
- تناول كمية كافية من الماء يوميًا (ما لا يقل عن 8 أكواب).
- تناول كمية كافية من الألياف يوميًا.
- الابتعاد عن تناول الوجبات قبل النوم.
- تناول وجبات صغيرة متعددة بدلًا من وجبة واحدة كبيرة.
- الحصول على القسط الكافي من النوم.
- تجنب تناول المنبهات مثل مشروبات الكافيين والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة.
- الحد من القلق والتوتر؛ وذلك عن طريق ممارسة الرياضة وتمارين التنفس والاسترخاء بانتظام، واللجوء إلى طلب المشورة الطبية حال الحاجة إليها.
- الإقلاع عن التدخين.
كما يمكنكم معرفة المزيد عن القولون العصبي وطرق علاجه بمشاهدة الفيديو التالي:
تمييز أعراض القولون العصبي وأحدث طرق علاجه
وفي النهاية، يعاني الملايين حول العالم متلازمة القولونِ العصبي؛ مما يجعلهم عرضة للعديد من الأعراض المزعجة والآلام التي يصعب تحملها. لكن إجراء بعض التغييرات في أسلوب الحياة وأنماط التغذية والتعامل مع القلق يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الأعراض والتحكم فيها وتحسين الحالة الصحية للمرضى على نحو ملحوظ.
ومع تنوع علاجات القولونِ العصبي وتعددها، يجب -دائمًا- التنبيه إلى ضرورة استشارة الطبيب المختص في وضع خطة العلاج المناسبة، وكذلك اللجوء لاختصاصي التغذية إذا لزم الأمر.