«سلطان»، لفظٌ عربيٌّ مشتقٌّ من السُلطة، يَدُلُ على من بيده الحُكم وله الغَلَبة، وُصِفَ النوم بهذا الاسم في المثل العربي القائل: «النوم سلطان.»
ما هو سر ضعفنا كبشر أمامه؟ لماذا وَصَفَهُ العرب بالسلطان؟ هل يمكن أن يكون مُضِرًّا؟
نجيب عن هذه الأسئلة وأكثر من خلال هذا المقال.
ما الذي يحدث عندما ننام؟
إنه ليس مجرد فترة خمول يومية لا قيمة لها كما ظَنَنَّا!
مع تطور فهمنا للجهاز العصبي، أثبتت الأبحاث أن المخ يكون نشيطًا ليس في فترة الاستيقاظ فقط، بل وفي أثناء النوم أيضًا.
لأن الإنسان يسعى خلف الحكمة من كل شيء، نطرح سؤال: «ما الفائدة من نشاط المخ في أثناء تلك الفترة؟»
دور المخ في حفظ توازن الساعة الحيوية
مثلما يتحكم في كل شيء آخر متعلق بأجسادنا، يُدير المخ أيضًا دورات منتظمة لنومنا ويقظتنا.
يكون ذلك عن طريق رسائل تُرسَل إلى خلايا المخ من بقية الجهاز العصبي.
يستجيب المخ لهذه الرسائل بإفراز ناقلات عصبية أخرى -تحديدًا من الجذع المخي- نتعرف عليها في الأسطر التالية.
- أثناء اليقظة
في الساعات الأولى من اليوم، يُفرِز الجذع المخي عدة ناقلات عصبية تحافظ على النشاط والانتباه خلال فترة اليقظة.
أهم هذه المواد: (النورإبينيفرين، والهيستامين، والسيروتونين).
- أثناء النوم
خلال ساعات اليقظة تزداد نسبة مادة (الأدينوسين) في الدم تدريجيًّا ببطء.
عندما تصل هذه النسبة إلى مقدار معين، نشعر بالنعاس وننام.
- الاستيقاظ مرة أخرى
عندما ننام، تقل نسبة مادة (الأدينوسين) في الدم بالتدريج وببطء حتى نستيقظ مرة أخرى.
تكتمل الدورة بذلك لتبدأ مرة أخرى، ولكن ما الذي نمر به في أثناء هذه الدورة؟
مراحل النوم

كما ذكرنا، إنها ليست فترة خمول ثابتة، بدايةً باللحظة التي نضع فيها رؤوسنا على الوسادة، مرورًا بالأحلام التي نراها، وحتى الاستيقاظ.
نمر بخمس مراحل في أثناء نومنا، يظل العقل نشطًا في جميعها، ليَمُدَّ أجسامنا بالراحة التي نحتاجها خلال اليوم.
المرحلة الأولى
- تُسَمَّى بمرحلة النوم الخفيف.
- يسهل إيقاظ النائم خلالها.
- يقل بها نشاط العضلات، وبالتالي معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس، وحركة العين.
- قد يتذكر المُستيقظ من هذه المرحلة بعض الرؤى المشوشة.
المرحلة الثانية
- يقل معدل ضربات القلب ومعدل التنفس بصورة أكبر خلال هذه المرحلة.
- تتوقف حركة العين تمامًا.
- تنخفض درجة حرارة الجسم.
المرحلتان الثالثة والرابعة
- تسميان معًا بمرحلة النوم العميق.
- يصعب إيقاظ النائم أثناء هاتين المرحلتين.
- تتوقف خلالهما حركة العينين والعضلات تمامًا.
- غالبًا ما يشعر المُستَيقظ منهما بالتشويش، وعادةً ما يستغرق عدة دقائق ليتكيف من جديد.
المرحلة الخامسة
- تسمى بمرحلة حركة العين السريعة (REM)، وهي مرحلة رؤية الأحلام.
- يكون النفس خلال هذه المرحلة قصيرًا، وسريعًا، وغير منتظم.
- يزداد معدل ضربات القلب.
- تتحرك العين بسرعة وعشوائية في كل اتجاه.
- يرتفع ضغط الدم.
- تُشَل عضلات الأطراف مؤقتًا.
ما لا تعرفه عن مرحلة (REM)
قد تبدو مرحلة حركة العين السريعة مرعبةً بعض الشيء، لكننا -رغم ذلك- نمر بها كل ليلة أكثر من مرة!
تحدث أول مرحلة من حركة العين السريعة بعد نومنا بفترة تبدأ من 70 إلى 90 دقيقة.
تستغرق الدورة الكاملة من 90 إلى 110 دقائق، أي أنها تُشَكِّل المرحلة الأخيرة من الدورة.
توزيع المراحل على الدورة الكاملة
- بالتدريج، يزداد طول مراحل حركة العين السريعة، ويقل طول مراحل النوم العميق.
- تغلب المرحلتان الأولى والثانية، وكذلك مرحلة حركة العين السريعة على فترات الصباح.
لا بد أنك تتعجب الآن من كل التفاصيل المعقدة التي تحدث خلال نومك، للحفاظ على هذه النعمة ننتقل للفقرة التالية.
9 خطوات لنوم أفضل
- الحرص على موازنة التعرض للضوء على مدار اليوم
تتأثر ساعتنا الحيوية بكميات تعرضنا للضوء بين النهار والليل، وذلك بسبب تناغم أجسادنا مع الطبيعة التي فُطِرنا عليها.
نتيجة لذلك، يجب أن نحافظ بدورنا على هذا التناغم.
نهارًا
يجب التعرض لكميات كافية من ضوء الشمس خلال ساعات النهار، إن لم يكن ذلك متاحًا، يجب الاستعانة بمصدر ضوء صناعي.
يُحسن ذلك طاقتنا في أثناء اليقظة، وكذلك يرفع جودة نومنا خلال الليل.
ليلًا
بخلاف النهار، يجب تقليل التعرض للضوء ليلًا.
ينخدع المخ بتعرضه للضوء في الليل؛ فيظن أنه وقت الاستيقاظ، ويؤثر ذلك على إفراز (الميلاتونين) الذي يساعد على الاسترخاء والنعاس.
- الانتباه للعادات الغذائية
- عدم استهلاك منتجات الكافيين في أوقات متأخرة من اليوم.
- تناول مكملات (الميلاتونين) بعد استشارة الطبيب أو الصيدلي.
- الاستعانة بمكملات طبيعية مهدئة أخرى مثل: (عُشبة الجنكو بيلوبا، والجلايسين، وجذور الفاليريان، والماغنيسيوم، وحمض الإل ثيانين، واللافندر).
- تجنب تناول الكحوليات التي تؤثر على الهرمونات.
- تجنب الأكل في أوقات متأخرة من اليوم.
- تقليل فترات الغفوة الطويلة أو غير المنتظمة في أثناء النهار (القيلولة)
لا يجب أن تستغرق القيلولة أكثر من 30 دقيقة، لأن أكثر من ذلك يؤثر على نشاط الدماغ.
- تجهيز مكان مريح للنوم
أثبتت الدراسات أن الوسط المريح يشكل عاملًا مهمًّا في التأثير على استرخائنا.
يُنصح باختيار وسائد مريحة، وينصح كذلك بتعديل درجات الحرارة -إن أمكن- ملائمةً للطقس.
- ممارسة الرياضة بانتظام
ممارسة الرياضة تفيد بشكل كبير خلال ساعات النهار وتساعد على تحسين النوم، رغم ذلك لا يجب ممارستها قبله مباشرة.
- الحفاظ على نمط يومي ثابت للنوم
- الحرص على الاسترخاء وتصفية الذهن في أثناء المساء
- أخذ حمام دافئ للاسترخاء
- علاج الاضطرابات إن وجدت
لعلاج هذه الاضطرابات، يجب معرفة ولو نبذة عن أسبابها، وهذا ما سنتطرق إليه تاليًا.
أسباب اضطرابات النوم

قد يكون المصاب باضطراباتٍ مؤرقة لديه إحدى المشكلات العضوية التالية:
- حرقة المعدة أو الحموضة.
- مرض السكري.
- النوبة القلبية.
- الاضطرابات العضلية الهيكلية.
- أمراض الكلى.
- أمراض الغدة الدرقية.
- مشاكل التنفس.
يمكن كذلك أن يكون مصابًا بإحدى المشكلات النفسية التالية:
- القلق.
- نوبات الهلع أو الفوبيا.
- الاكتئاب.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- الانفصام.
- الصرع.
- اضطرابات الذاكرة.
- الصداع.
- السكتات الدماغية.
- الأورام.
- مرض باركنسون.
عند الإصابة بأحد هذه الاضطرابات، يجب زيارة الطبيب لاستبعاد الأسباب الممكنة.
أضرار النوم الكثير

عند ذكر اضطرابات النوم، أول ما يخطر ببال كل منَّا عدم الحصول على كمية كافية منه.
كثيرًا ما نستسلم للنوم فترات كبيرة، خاصةً عندما نصاب بالحزن، وحتى خلال فصل الشتاء في الأيام الداكنة والباردة.
هل يمكن أن يكون لذلك ضرر؟
الإجابة: نعم!
الآثار الجانبية لكثرة النوم
يجب الاهتمام بعدد ساعات النوم لتجنب احتمال حدوث الآثار الجانبية التالية:
- ضعف الإدراك.
- زيادة أعراض الاكتئاب.
- زيادةُ الالتهابات.
- زيادة الشعور بالألم.
- ضعف الخصوبة.
- خطورة الإصابة بالسمنة.
- خطورةُ الإصابة بمرض السكري.
- خطورة الإصابة بأمراض القلب.
- خطورة الإصابة بالسكتات الدماغية.
- ارتفاع معدل الوفاة.
تُرى هل يوجد المزيد مما لا نفهمه عن هذه الفترات التي نرتاح فيها؟
4 معتقدات خاطئة عن النوم واضطراباته
- يجب أن نحصل على 8 ساعات من النوم يوميًا
لا نحتاج جميعًا بالضرورة إلى 8 ساعات، بل تختلف حاجة أجسامنا من شخص لآخر.
أثبتت الدراسات إمكانية اكتفاء البعض بـست ساعات فقط خلال اليوم، وقد تزيد حاجة البعض الآخر تبعًا لعدة عوامل.
- القيلولة تضر بالصحة
هذا الاعتقاد يعتمد على طول هذه القيلولة.
ذكرنا سابقًا أن مدة القيلولة يجب ألَّا تزيد عن النصف ساعة، بذلك تكون مفيدة لزيادة معدلات نشاطنا خلال اليوم.
إذا زادت عن ذلك، قد تشوش تناغم ساعتنا الحيوية، وتتسبب في إصابتنا بالأرق.
- يمكنني تعويض ما فقدته من النوم
كثيرًا ما نتجاهل حاجتنا للنوم لأسباب مثل ضغط العمل، ظنًّا منَّا أنه يمكن تعويض ما فقدناه خلال الأجازات أو أوقات الفراغ.
في الواقع هذا غير صحيح، لأنه أيضًا يشوش تناغم الساعة الحيوية، ويضر بصحتنا، وحتى قد يتسبب في الأرق واضطرابات أخرى!
من الأفضل تنظيم أوقاتنا لنحافظ على النوم في أوقات ثابتة.
- عندما أستيقظ من النوم أرى أشباحًا في الغرفة
ظلت إحدى صديقاتي لفترة كبيرة تظن أن الأشباح تطاردها وتنتظرها في غرفتها عندما تستيقظ، حتى اقترحت عليها زيارة الطبيب.
علمنا فيما بعد أنها مصابة بشلل النوم أو الجاثوم، لذلك نسترجع معًا مرحلة حركة العين السريعة للنوم، لنعرف ما هو.
الجاثوم (شلل النوم)
هذه الحالة غير ضارة بالمرة، وتصيب أغلب البشر تقريبًا، مرة على الأقل.
تستمر هذه الحالة لثوانٍ أو دقائق، كعجز عن الحركة، وبعض الهلوسات، ثم تنتهي دون ضرر.
تحدث هذه الحالة بسبب تزامن مرحلة حركة العين السريعة مع اليقظة.
برغم أنها حالة مرعبة حقًّا، قد يطمئنك معرفة أنها أمر شائع الحدوث.
النوم بعد الأكل
نعلم أن النوم بعد الأكل أمر ضار، فما هي الفترة المفترض وجودها بين آخر وجبة والذهاب للفراش؟ ولماذا يكون ذلك ضارًا؟
متى ننام بعد آخر وجبة في اليوم؟
يقترح الأطباء وجود فرق 3 ساعات بين آخر وجبة وموعد ذهابنا إلى الفراش.
يتيح ذلك انتقال عملية الهضم من مرحلة المعدة إلى الأمعاء، بهذا لا تحدث مشكلات مثل حرقة المعدة، والأرق.
ماذا يحدث إذا لم نلتزم بهذه المدة؟
أضرار النوم بعد الأكل
- تباطؤ عملية الهضم، ما يؤدي للحموضة وحرقة المعدة.
- الشعور بعدم الارتياح.
- الانتفاخ.
- زيادة الوزن.
- الإصابة بالأرق.
- رؤية كوابيس.
- استمرار الشعور بالتعب بعد الاستيقاظ.
- الهلوسة.
أخيرًا، نتمنى لك نومًا هنيئًا، وأحلامًا سعيدة.