تُعد مشكلة سوء التغذية من أكبر المشكلات التي تواجهها البشرية في الآونة الأخيرة. ليس فقط لتأثيرها المدمّر على الأفراد واقتصاد الدول، وإنما أيضًا لاتساع رقعة هذا التأثير ليطال مئات الملايين من البشر حول العالم. وقبل الحديث عن الوقاية من سوء التغذية، إليكم بعض الحقائق عنها:
- تشير إحدى إحصائيات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن هناك 1.9 مليار شخص بالغ حول العالم يعانون الوزن الزائد (السمنة)، في حين أن 462 مليون يعانون انخفاض الوزن.
- وفي العام 2016، كان ما يقدر بنحو 155 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون التقزم، بينما يعاني 41 مليونًا فرط الوزن أو ما يُعرف بالسمنة.
ويشير مصطلح سوء التغذية إلى وجود نقص أو زيادة أو عدم توازن في ما يتناوله الإنسان من العناصر الغذائية. إذ يحتاج الجسم إلى مقدار معين من كلٍ من تلك العناصر لكي يؤدي وظائفه بشكل سليم ومتواصل. ويمكن تقسيم سوء التغذية إلى مجموعتين متباينتين من الحالات الصحية التي تُعرف بأشكال سوء التغذية، وإليكم تفصيلها.
أشكال سوء التغذية
- نقص التغذية: وينتج هذا النوع من سوء التغذية عن عدم حصول الجسم على ما يكفي من البروتين أو السعرات الحرارية أو المغذيات الدقيقة (مثل الفيتامينات والمعادن الضرورية). ويؤدي هذا -مع استمراره- إلى الهُزال (انخفاض الوزن مقابل الطول)، أو التقزم (قِصر الطول مقابل العمر)، أو نقص الوزن مقابل العمر.
- الإفراط في التغذية: إذ يؤدي الاستهلاك المفرط وغير المنضبط لبعض العناصر الغذائية مثل البروتين أو الدهون أو الكربوهيدرات إلى سوء التغذية. ويترتب على ذلك زيادة الوزن وحدوث السمنة، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وداء السكري وبعض أنواع السرطان.
وعادةً ما يعاني الأشخاص المصابون بنقص التغذية نقصًا في الفيتامينات والمعادن، وخاصة الحديد والزنك وفيتامين A واليود. ولكن قد يحدث هذا أيضًا في اللذين يعانون الإفراط في التغذية، فمن الممكن أن تعاني السمنة، ومع ذلك لا يحصل جسمك على ما يكفي من الفيتامينات والمعادن في ذات الوقت. ويُعزى هذا إلى أن الأطعمة التي تسهم في حدوث السمنة -مثل الأطعمة المقلية والسكرية- تميل لكونها عالية السعرات الحرارية والدهون ومنخفضة في باقي العناصر الغذائية الأخرى.
إذن، فسوء التغذية يشمل نقص التغذية أو الإفراط فيها. وكلاهما قد يؤدي إلى العديد من المضاعفات والمشكلات الصحية إذا تُركوا بدون علاج. ولسوء التغذية علامات يجب معرفتها والتنبّه إليها. وفي ما يلي ذكرها.
أعراض سوء التغذية

يُسبب نقص العناصر الغذائية المختلفة العديد من المشكلات الصحية. وتتباين أعراض هذا النقص حسب درجته، وكذلك حسب العنصر الذي حدث فيه النقص، مع وجود بعض الأعراض العامة والمشتركة. ومن أعراض سوء التغذية العامة، نذكر ما يلي:
- فقدان الوزن.
- شحوب الجلد.
- التعب والإرهاق.
- الإعياء.
- صعوبة في التنفس.
- تساقط الشعر.
- الإمساك.
- الاكتئاب والقلق.
- خدرًا أو وخزًا في المفاصل.
- ضعف التركيز.
- خفقان القلب.
- بُطء التعافي من الجروح والأمراض.
- الحدوث المتكرر للعدوى.
فمن تظهر عليه بعض تلك العلامات، ينبغي له مناقشتها مع الطبيب أو اختصاصي التغذية، لمعرفة ما إذا كانت ناجمة عن سوء التغذية أو بسبب مشكلة أخرى. وهذا يقودنا للحديث عن أسباب سوء التغذية.
أسباب سوء التغذية
غالباً ما يُعزى سوء التغذية إلى مجموعة من الأسباب الجسدية والاجتماعية والنفسية. ومنها:
- الدخل المتدني والفقر الشديد.
- بعض الأمراض التي تُؤثر على الشهية وكذلك على القدرة على امتصاص المغذيات.
- بعض الأدوية التي تُؤثر على الشهية وكذلك على القدرة على امتصاص المغذيات.
- القيود التي تفرضها الأنظمة الغذائية المختلفة.
- بعض الأمراض النفسية، كالاكتئاب الذي قد يسبب فقدان الشهية.
- الحروب والمجاعات والأوبئة التي قد تمنع إتاحة الغذاء للكثيرين.
- غياب الثقافة الغذائية والوعي الغذائي عن الكثيرين.
والآن، بعد أن ناقشنا أشكال سوء التغذية وأعراضها وأسبابها، بقي لنا أن نعرف طرق الوقاية من سوء التغذية؟
طرق الوقاية من سوء التغذية

تعتمد الوقاية من سوء التغذية على اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، يحتوي على العناصر الغذائية المختلفة التي يحتاج إليها جسم الإنسان بالقدر المطلوب دون إفراط أو تفريط.
وقد يحتاج البعض إلى المزيد من الاهتمام والمتابعة لضمان حصولهم على العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها. ويأتي على رأس تلك الفئات كبار السن والأطفال والحوامل والأشخاص المصابون ببعض الأمراض المزمنة.
وتشير الأبحاث إلى أن بعض طرق الوقاية من سوء التغذية وأكثرها فاعلية، تشمل توفير أقراص الحديد والزنك واليود والمكملات الغذائية لمن يحتاجون إليها. وكذلك التثقيف الغذائي للفئات المعرضة لخطر نقص التغذية.
وفيما يخص الوقاية من زيادة الوزن والسمنة، فلابد من نشر الوعي والتثقيف الغذائي الذي يشجع على اختيار أنماط غذائية صحية، وكذلك ممارسة النشاط البدني للأطفال والبالغين على حد سواء.
ويمكن للحكومات والمؤسسات المستقلة والمدارس أن تؤدي دورًا توعويًا لا غنى عنه في الوقاية من سوء التغذية.
وإليكم بعض النصائح الهامة التي تساعد في الوقاية من سوء التغذية:
- تناول الكربوهيدرات: التي تمد الجسم بالطاقة، كما أنها تسهم في الحفاظ على الكتلة العضلية للجسم وعدم استهلاكها للحصول على الطاقة (في حالة نقص الكربوهيدرات)، ومن ثم حدوث سوء التغذية. ومن أهم الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات: البقوليات (مثل العدس والحمص والفاصوليا والبازلاء)، والحبوب (مثل الأرز والشوفان)، والمعكرونة ومنتجات القمح، وبعض الخضروات (البطاطا والذرة) والفاكهة (مثل الموز والمانجو والتمر والزبيب).
- تناول البروتينات: التي تساعد على نمو خلايا الجسم وتنظيم درجة الحموضة. ويؤدي نقصها إلى تضرر الأنسجة العضلية في الجسم. لذا يجب الحرص على تناول الأطعمة التي تحتوي على البروتينات مثل البقوليات واللحوم والأسماك والبيض.
- تناول الدهون الصحية: ومن أهمها المكسرات والزيوت النباتية غير المكررة والأسماك الدهنية. كما ينبغي الحد من تناول الدهون المشبعة.
- تناول الفواكه والخضروات: التي تحتوي على كميات كبيرة من الألياف والفيتامينات والمعادن.
- تناول المكملات الغذائية: التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن المختلفة بالنسب المطلوبة.
- اتباع نظام غذائي متوازن: يمد الجسم بما يحتاج إليه حتى يؤدي وظائفه بشكل سليم.
- ممارسة التمارين الرياضية بصورة منتظمة: إذ تؤدّي التمارين دورًا هامًا في فتح الشهية والمساعدة على امتصاص المواد المغذية.
- الحرص على شرب كميات مناسبة من الماء يوميًا: إذ يُنصح بتناول 6 إلى 8 أكواب من الماء يوميًا، والابتعاد عن المشروبات غير الصحية واستبدالها بالمشروبات المفيدة.
وفي ما يلي توضيح لأهم المغذيات الدقيقة (الصُغرى) وأهميتها وأهم مصادرها:
المغذي | أهميته | مصادره |
فيتامين D | ضروري لنمو العظام وتقويتها، لدوره الحيوي في امتصاص الكالسيوم | التعرض لضوء الشمس وتناول البيض والسلمون والعديد من الأسماك الدهنية وزيوتها وكبد لحم البقر. |
الكالسيوم | ضروري لتكوين العظام والحماية من أمراضها الشائعة مثل هشاشة العظام | الألبان ومنتجاتها وسمك السلمون والبروكلي. |
البوتاسيوم | حيوي لدوره في تقلص العضلات وتأثيره على الأنسجة العصبية والحفاظ على التوازن الصحيح لشوارد الدم ودرجة الحموضة | الفواكه الغنية بالبوتاسيوم مثل الموز والشمام والبطيخ والمانجو والأفوكادو. وكذلك الفطر والبطاطا والبامية والهليون والمكسرات |
الحديد | ضروري جدًا لنمو الجسم لدوره في إنتاج خلايا الدم الحمراء وتقوية الجهاز المناعي | اللحوم والمحار والسبانخ والتفاح |
فيتامين B12 | ضروري لتوليد الطاقة في الجسم وتقوية الأعصاب وتكوين خلايا الدم الحمراء | اللحوم والأسماك والدواجن والبيض وبعض أنواع الألبان |
الماغنيسيوم | له دور في تنظيم ضغط الدم | المكسرات مثل اللوز والكاجو والحبوب الكاملة والخضروات الورقية. وبكميات أقل في اللبن والأرز البني والشوكولاتة والقهوة |
علاج سوء التغذية
يعتمد علاج سوء التغذية على وضع خطة علاجية يُراعى فيها مدى سوء التغذية ومسبباته والمضاعفات الحادثة ووجود أي أمراض أخرى. وقد تتضمن خطة العلاج:
- الخضوع للفحوص المستمرة من أجل المتابعة.
- اتباع نظام غذائي، قد يشمل تناول بعض المكملات الغذائية.
- علاج بعض الأعراض مثل الغثيان.
- علاج أي عدوى قد تكون موجودة، وكذلك مشكلات الفم والبلع إذا وجدت.
- تقديم بعض الاقتراحات الخاصة بتناول الطعام، مثل استبدال أواني الأكل.
وفي بعض الحالات الحرجة، قد يضطر المريض إلى دخول المستشفى لعدة أيام، وتلقي المغذيات مثل الكالسيوم والبوتاسيوم عن طريق الوريد. ثم البدء تدريجيًا في تناول العناصر الغذائية ضمن الوجبات لحين تحسن الحالة الصحية.
وفي الختام،
لم يعد مفهوم التغذية الصحية السليمة درب من الرفاهية، بل واجب وضرورة على كل منا المحافظة على نمط حياة صحي يتضمن تناول الأغذية الغنية بالبروتينات والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن. وكذلك التأكد من احتواء الوجبات على كميات متوازنة وكافية من تلك المغذيات.
والقيام بهذا جنبًا إلى جنب مع المواظبة على ممارسة التمارين الرياضية، وذلك في سبيل الوقاية من سوء التغذية. وكما جرت الحكمة، فالوقاية خير من العلاج.