في الحياة، لا يوجد قوة تضاهي قوة الأم. كل الأمهات خلقن بطاقة تدفعهن لحماية صغارهن، وفي رأيي أن أقوى الأمهات هن من رُزقن طفلًا من أطفال طيف التوحد.
كلف الله وأعان، فطفل التوحد يحتاج لعناية خاصة، وتعليم خاص، ورعاية صحية خاصة. لذا تجد أمهات أطفال التوحد يجتهدن في تعليم أنفسهن عن كل ما يحتاجه الطفل، فتصبح أم وطبيبة ومعلمة ومحامية.
من الجوانب التي تهتم الأم بتعلمها، هي تغذية أطفال التوحد. فما دور تغذية أطفال التوحد في علاجهم؟

ما هو اضطراب طيف التوحد؟
يعد اضطراب طيف التوحد حالة مركبة بين الأعراض العصبية والتطورية، وتظهر الأعراض في الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل.
يؤثر هذا الاضطراب في مناطق محددة في المخ وهي المناطق المسؤولة عن التطور الاجتماعي ومهارات التواصل مع الغير.
وتشمل الأعراض الشائعة:
- تأخر النطق.
- عدم الرغبة في اللعب مع الآخرين.
- يرفض العناق والتلامس.
- يتجنب التواصل البصري.
يتصف طفل التوحد أيضًا برغبته في تكرار الأنشطة، واهتماماته المحدودة، ورفضه تجربة أي جديد، ولتلك الأسباب تتأثر تغذية أطفال التوحد بسلوكهم.
مشاكل التغذية ورفض الطعام عند أطفال التوحد

تتأثر تغذية أطفال التوحد باختياراتهم المحدودة لأصناف الطعام ورفضهم التام لتجربة أي أطعمة جديدة، وأحيانًا يرفضون بعض الأطعمة بل ويرعبهم فكرة أكلها بسبب ملمسها عند المضغ.
فما سبب مشاكل التغذية ورفض الطعام عند أطفال التوحد؟
- اختياراتهم المحدودة: كما ذكرنا، يكون أطفال التوحد حساسين جدًا تجاه المثيرات، مثل الروائح القوية، والطعم واللون والملمس. لذا قد يرفضون تمامًا بعض الأطعمة التي تتميز بطعم قوي، أو الأطعمة اللزجة والطرية مثلًا.
- تناول كميات قليلة من الطعام: يجد أطفال التوحد صعوبة بالغة في التركيز على مهمة واحدة لوقتٍ طويل،
فيصعب عليهم الجلوس لتناول وجبتهم كاملة. - الإمساك: يعاني أطفال التوحد من الإمساك، وقد يكون هذا بسبب أصناف الطعام التي يتناولونها أو قلة النشاط الحركي أو بسبب الأدوية.
- التعارض بين أدويتهم وبعض الأطعمة: بعض الأدوية المنشطة قد تسبب ضعف الشهية، أو تؤثر على امتصاص بعض المعادن والفيتامينات.
- الرغبة في الالتزام بنظام محدد: قد يصر بعض أطفال التوحد على الجلوس في نفس المكان على طاولة الطعام،
واستخدام نفس الأطباق وأكل نفس الأكل وحتى قد يصر على استخدام نفس مفرش السفرة، مما يجعل وقت الطعام صعبًا على الأسرة إذا بدأ الطفل في نوبة غضب.
دور تغذية أطفال التوحد في علاجهم
من المهم أن ندرك أنه لا يوجد علاج يشفي تمامًا من اضطراب طيف التوحد، ولكن التشخيص المبكر والتدخل المبكر
سيمنع تفاقم الأعراض. ستفيده جلسات التخاطب وجلسات تنمية المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل.
تقدمت بعض الأبحاث بنظام غذائي يستبعد الجلوتين وهو البروتين الموجود في القمح، والكازين وهو بروتين يوجد في منتجات الحليب. تزعم تلك الدراسات أن هذا النظام يخفف من الأعراض التوحدية، ولكن في الحقيقة لم يثبت فاعليته.
لا يوجد نظام غذائي لعلاج التوحد ولا يُنصح بمنع واستبعاد بعض الأطعمة من غذاء الطفل إلا إذا كانت من مسببات الحساسية أو تسبب اضطرابات هضمية.
الغذاء المناسب لأطفال التوحد

من المهم أن يتناول الطفل نظامًا غذائيًا متزنًا وخاصة طفل التوحد، إذ تختلف بعض العمليات الحيوية في أطفال التوحد عن أقرانهم.
فما الغذاء المناسب لأطفال التوحد؟
يجب أن يحتوي على الكالسيوم
فقد أثبتت دراسة أن أطفال طيف التوحد لديهم عظام أضعف من غيرهم، لذا من المهم أن يتناول الطفل منتجات الحليب
والأطعمة الغنية بالكالسيوم.
غذاء متوازن
بسبب كون طفل التوحد دقيق ومحدود في اختياراته للطعام قد يصاب بنقص في الفيتامينات والمعادن المهمة للجسم،
وهذا إضافة لأن الكثير من أطفال التوحد يعانون لأسباب جينية من نقص في عنصر الزنك وفيتامين أ.
يجب أن يتناول الطفل اللحوم والأسماك والمكسرات والحبوب الكاملة والأطعمة الغنية بالألياف.
لذا ننصح أن يتابع الطفل مع أخصائي تغذية لاختيار نظامًا غذائيًا مصممًا خصيصًا للطفل يراعي ما يحبه الطفل وما يرفضه.
كميات مناسبة من مصادر الأوميجا 3
يشيع نقص مستويات الأوميجا 3 عند أطفال التوحد، وقد يكون هذا بسبب خلل جيني أو نقص مصادر الأوميجا 3 في نظام الأم الغذائي أثناء الحمل مما يتسبب في إزالة الناقلات العصبية من المخ بسرعة أكبر من الطبيعي.
لذا من المهم أن يتناول الطفل السمك الذي يحتوي على الأوميجا 3 مثل التونة الطازجة والسردين والماكريل والسالمون على الأقل مرتين أسبوعيًا، وأن يتناول البذور مثل بذور الكتان الغنية بالأوميجا 3.
يحتوي كميات معتدلة من السكر
يجب التحكم في كميات السكر التي يتناولها الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد المصحوب بفرط الحركة.
تشير الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون كميات كبيرة من النشويات والسكريات والحلويات والمشروبات الغازية يعانون عدم
انتظام مستويات السكر في الدم، مما يسبب ضعف في التركيز، وفرط الحركة، وفقد السيطرة على سلوكياته.
أطعمة تساعد على الهضم
يشيع بين أطفال التوحد الإصابة بمشاكل هضمية مثل الإمساك والإسهال والانتفاخات، وآلام المعدة، وقد يكون هذا بسبب
اختلاف البكتيريا الموجودة في معدتهم.
سيفيد الطفل تناول المكملات الغذائية التي تحتوي على البروبيوتيكس والبريبايوتيكس، وتناول الأطعمة مثل الزبادي واللبن
الرائب وبعض أنواع الجبن مثل الجبن القريش والزيتون المخلل في الماء.
نصائح للتعامل مع رفض طفل التوحد للطعام

1– تأكدي من عدم وجود سبب عضوي
قد يرفض طفل التوحد الطعام لأنه يشعر بالألم بسبب تسوس الأسنان أو بسبب الارتجاع مثلًا، لذا من المهم أن تصحبي طفلك للفحص الدوري والاطمئنان على صحته.
2– هوني عليه وقت الطعام
في كثير من الأوقات يتوتر طفل التوحد أثناء وقت الطعام، إذ تعلو الأصوات، ويتحرك الأثاث وتكون الأضواء قوية، ويزيد التوتر إذا أجبرتي الطفل على الجلوس والأكل.
أنصحك بأن تأخذي دقائق قليلة قبل الطعام لتساعدي طفلك على الاسترخاء، قد يفيده بعض تمارين التنفس مثلًا.
3– وقت الطعام هو وقت الأسرة
من المهم أن تجتمعوا كأسرة على طاولة الطعام، لأن طفل التوحد يهتم بالروتين ويتعلم بالتقليد، تشجعه رؤية أفراد أسرته يأكلون على تجربة أطعمة جديدة.
إذا رفض أن يأكل لا تصري، ما يهم الآن هو بناء عادات وروتين جديد يعتاد عليه الطفل. لذا حاولي قدر الإمكان أن يكون موعد الطعام ثابت مهما حدث.
4– ادعمي جلسة طفلك
يعاني الكثير من أطفال التوحد بنية عضلية ضعيفة، قد يجعلهم هذا غير مرتاحين وقد يمنعهم من التركيز على وجبة الطعام،
لذا تأكدي أن طفلك مرتاح في جلسته.
5– ادخلي أطعمة جديدة بالتدريج
يخاف الكثير من أطفال التوحد من بعض الأطعمة، ويرفض بعضهم لمس التفاح لأنها يبدو مبللًا، ويخاف آخرون من لون بعض الأطعمة.
إذا كان طفلك يخاف لمس نوع من الطعام فأرجوكِ لا تجبريه ولكن امشي معه خطوة بخطوة، فمثلًا بادري بتشجيعه على النظر إلى التفاحة، وعندما يرتاح للنظر شجعيه على لمسها بالشوكة، ثم بالقفازات أو بمنديل، ثم يده.
قد يفيد أيضًا أن تأخذي الطفل معك للتسوق، ودعيه يختار أي نوع من الفاكهة والخضروات، ثم اقرآ معًا عنه واختاروا وصفة،
سيجعل هذا التدرج طفلك أكثر استعدادًا لتناول الطعام.
6– أخرجي الأطعمة من غلافها
بعض الأطفال يرفضون تناول الطعام إذا تغيرت الماركة، فتضطر الأم أو الأب للبحث عن ماركة الطفل المفضلة، لذا نصيحتي أن تتجنبي تلك المشكلة تمامًا بعدم لفت انتباهه إلى أنواع الماركات.
7– شتتي انتباه طفلك
يتهرب بعض الأطفال من وقت الطعام بفعل بعض السلوكيات المزعجة مثل ضرب الطاولة أو سكب الطعام أو بصقه، إذا فعل طفلك هذا وجههي انتباهه إلى طعامه ولا تنتقدي السلوك، كأن تقولي: “هل يقرمش هذا الخيار”؟ أو “هل رائحة الحساء قوية”؟ أو “هل الخبز جاف أم مبلل”؟
8– غيري قليلًا فيما يأكله طفلك
لنفترض أن طفلك يحب المعكرونة السباجيتي البيضاء، ولا يحب أن يضع الصلصة. لا تغيري فجأة طريقته المفضلة في تناول المعكرونة وجربي أن تطبخي له بدلًا منها المعكرونة المصنوعة من الأرز أو الشوفان. بعد بعض الوقت أضيفي الزبدة، وبعدها قد يتقبل الصلصة ويستفيد من العناصر التي بها.
ستجعل تلك الخطوات الطفل مستعدًا لتقبل التغيرات البسيطة بدلًا من إجباره على شيء جديد فجأة.
أنهي مقالي بتعبير عن فخري بكل أم رزقها الله بطفل من أطفال التوحد وأعانها بقوة وشجاعة لتقديم الرعاية اللازمة له.
أعلم أنكِ تشعرين بالتعب والإرهاق في الكثير من الأحيان لذا أنصحك بطلب الدعم من الأمهات في نفس ظروفك.
دمتِ أقوى الأمهات.